يظل دور المثقف موضع بحث، وأخذ ورد بين المشتغلين في الحقل الثقافي، ويظل تحديد مفهوم المثقف أحد الإشكاليات التي تتجاذبها النقاشات في المنتديات الثقافية المختلفة، ويتم طرح العديد من الأسئلة يأتي على رأسها: هل من الضروري أن يكون المثقف ذات ثقافة موسوعية شاملة؟ أم يكفي أن يكون متميزا في التخصص الذي اختاره؟ أم أن التخصص شيء والثقافة بمفهومها الشامل شيء آخر؟
يظل المثقف هو طليعة أية أمة، فالدور المنوط به يتعدى دور السياسي بل والحاكم، الذي ربما وإن سُئِلَ على كل ما يخص الشعب الذي يحكمه، ولكنه في كل الأحوال غير مسؤول عن تلك المنح الربانية التي يهبها الله لقلة من البشر، اللهم في الاهتمام بها ورعايتها، لتحقق لهذه الأمة أو هذا الشعب أو هذه الجماعة البشرية ما تصبو إليه من وعي وإدراك ببيئتها مرة والعالم من حولنا مرة أخرى ومن ثم يضع هذه الأمة وهذا الشعب وهذه الجماعة البشرية في قلب العالم.
في رحلة قصيرة لمصر، كان لي شرف لقاء الأستاذ الدكتور جمال مصطفى السعيد أستاذ جراحة الأورام بجامعة القاهرة، الذي خصص لنا من وقته الثمين بعضه، استقبلته خلال هذا اللقاء في أحد الفنادق الشهيرة في مصر.
هذا اللقاء الذي جمعني بالأستاذ الدكتور جمال مصطفى السعيد تناول العديد من الأفكار كلها ذات شأن عام: مصري وعربي، حيث كلينا مستغرق حتى أذنيه بما آل إليه حال المجتمع المصري مرة والمجتمع العربي مرة أخرى، وأن أهم ما يشغلنا هو ذلك الجنوح إلى الراحة والدعة، ليس فقط لدى الأجيال الجديدة، بل أيضا عند الكثير من الأجيال القديمة، فنحن – أنا والعالم المصري الكبير الدكتور جمال مصطفى السعيد – نؤمن كل الإيمان بأنه لا يمكن أن يحقق الفرد ذاته إلا من خلال جهد كبير يقوم ببذله، فيعمل قدر طاقته تلك الطاقة التي هي هائلة في حالة استطاع أن يكتشفها كل فرد في المجتمع المصري والعربي. إضافة إلى ضرورة إعمال العقل الذي هو مناط التكليف في الإنسان، والذي هو الحاكم والمُنقِّي والمُنَقِّح والناقد لكل ما يلقى عليه.
لم يكن غريبا أن أكتشف جوانب جديدة في شخصية عالم بحجم الدكتور جمال السعيد، الذي أتابع مشاركاته في المؤتمرات الطبية العالمية بأوروبا بالكثير من الفخر والعظيم من الاعتزاز، فالرجل ذو خلق رفيع يتفق مع مكانته العلمية، كما يتسق والبيئية المصرية الريفية الأصيلة التي نشأ فيها، أما أكثر ما لفت انتباهي في ذلك اللقاء هو تلك الموضوعات المتباينة التي تشغل – على هامش عمله الذي يأخذ أغلب وقته وأكبر حيز – حيزا في ذهن أستاذ جراحة الأورام بجامعة القاهرة، فكانت السياسة حاضرة والشأن المصري العام قائما، وما يتحقق على أرض الوطن من مشاريع متواجدا، وما يجابهه الوطن من تحديات تبدأ بالإرهاب ولا تنتهي به شاخصا، والحياة الجامعية وما يواجهها من تحديات ظاهرة، وما يتمناه الرجل العالم للبحث العلمي في مصر والعالم العربي مثار حوار، بالإضافة لإيمان جمال السعيد بقيمة العالم المصري، الذي يراه متفوقا رغم ما يواجه البحث العلمي في مصر من تحديات، ورؤية الرجل لتصور ما يمكن أن يحققه العرب من تطور في كافة المجالات حال حسن استثمار كافة الإمكانات العربية والتي لا تبدأ بالثروة التي هي متوفرة في بعض الأقطار وإن كانت تنتهي بها، بل تبدأ بالإنسان العربي الذي يؤمن أن قدراته لا تقل عن قدرات أي شعب من الشعوب المتقدمة.
إن اللقاء الذي جمعني بالأستاذ الدكتور جمال مصطفى السعيد تناول العديد من المجالات الحياتية والمختلف من المحاور، فالعالم الكبير الذي يقيم بالقاهرة، ويتنقل بين عواصم العالم المختلفة خاصة الأوروبية منها صاحب رؤية عميقة ورأي صائب، نتيجة للخبرة التي اكتسبها بالإضافة إلى الحياة العملية والعلمية العريضة، فضلا عن الحياة الأكاديمية التي لا ترضى عن المنطق بديلا، ولا عن العقل حاكما، ولا عن التجربة سبيلا. ومن هنا كانت رؤيته لما يتحقق على أرض مصر من مشروعات في كافة المجالات في عصر الرئيس عبد الفتاح السيسي من الأهمية بمكان بالنسبة لي، حيث رأى أن هناك خطوات متسارعة للحاق بركب العالم المتقدم، وأن ما يتحقق على أرض الواقع في مصر لم يتحقق من عشرات السنوات.
وقبل أن ينتهي اللقاء القصير بالدكتور جمال مصطفى السعيد، في لافتة ترسخ دور المثقف في المجتمع، وجه لي الدكتور جمال السعيد دعوة لحضور ندوة للصالون الذي يقيمه والذي أختار له اسم “صالون الجراح الثقافي”، تلك الندوة التي كانت الثانية لموضوع هام وهو تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على صورة مصر في الداخل والخارج، والذي خصص فقرته الأولى لتكريم الدكتورة هالة صلاح عميد كلية طب القصر العيني، فرحبت بالدعوة للحضور والمشاركة في هذه الندوة الهامة لصالون الجراح الثقافي.
سيدة مصرية جميلة
قبل أن ينصرف الدكتور جمال السعيد كان لابد أن نوثِّق اللقاء بصورة فوتوغرافية، وكانت تجلس على يميني في المنضدة المجاورة لي سيدة مصرية جميلة، فاستأذنتها في التقاط صورة تجمعني، وكان رأي الدكتور أني ربما خالفت التقاليد المصرية بهذا الطلب، ولكن السيدة كانت غاية في البشاشة واللطف، عكست طبيعة المرأة المصرية الأصيلة.