برغم الضجيج الذي يعتمل داخل جدران عقلي، هناك شيء ما يمنعني من الكتابة. يحول بيني وبين تصفيف الكلمات وكأنه حاجز من الحديد الصدأ يكبل أفكاري ويقصيني عن عالم الأدب والكتابة. وكأنني لست بجديرة بالاهتمام. ضئيلة أمام الأبجدية. هاوية تقلب الأحرف. وصغيرة أمام حلم كبير بكتابة تخلب الألباب.
ربما هو ذلك البياض الذي يقلق بصيرتي؛ يجعلني أرى قطع الابجديات قطع متناثرة تتقافز برأسي،تختفي وتظهر بحركات إكروباتيه كلما حككت رأسالقلم على الورقة، ولكنها رغم ذلك تأبى أن تنزف. وتأبى أن تكتمل في ذهني. تراودني فكرة انعدام الرغبة. الحالة التي تجعلني بعيدة عن كل شيء بعيدة حد الانزواء على نفسي مكونة عالما لا يخص احدا غيري. هو انا وانا هو.
ولعلاج معضلتي الكتابية قررت أخيرا ما يلي: سأكتب كلمات. كلمات عشوائية بسيطة أو منمقة؛ لعلي احرك مياه خيالي الراكد. علي أخرج بمنتوج ادبي لائق بقراءاتي التي اقتنص الوقت لأرحل عبرها ومن خلالها مدن وازمان. لأعبئ مخزون الكلمات منها او لعلي بها اتحرر. لكي أطرح جلدي كأفعى حان وقت انسلاخها. ولكن لا شيء بالنهاية يخرج. كأن لا شيء اصبح يثير اهتمامي.
انعدمت حالة الرغبة لدي واصبحت بشكل ما متيقنة أنه لم يعد هناك ما يُكتب. كأن جميع المواضيع قد كُتب عنها،قد تمت مناقشتها وتحليلها ودراستها. ولم يتبقى لي غير فتات لست بها مهتمة. كأنه حاجز يصدني ويحول بيني وبين الكلمات. ألا هذا ما يسمى بصمت الكاتب؟ الصمت أو العجز الذي يقذف بالكاتب بغياهب اليأس والخوف من فقدان الموهبة أو فقدان الصوت الذي تنطق به الكلمات.
ضجيج صمت رهيب ومفزع ينتابني كوخز الضمير بسبب التأتأة التي تعتريني بالكتابة. لا أتأتئ بالحقيقة ولكنها موجودة بعقلي تعبث بي وتعري هشاشة لغتي ونضوب كلماتي وكأن كل كلمة سأطلقها ما هي إلا همهمات هاوي أو طفل تعلم أصوات الأبجدية حديثا ولم يتقن إلا أنصافها. اعلم أن الكتابة لغز وان طريقها طويل بل طويل جدا كالبحث عن كنز ضائع وسط صحراء قاحلة، ولكنها بالنهاية الضوء الوحيد المنبعث من نهاية النفق.