‎#مقالات | منيفة العازمي .. تكتب : “عيناها”

في عينيها ترتسم مسحة من حزن أضفت على وجهها ملامح الجمال غير مألوف ، شعرها الطويل ، براءة ضحكتها ، عفوية تعاملها مع الجميع ، اندفاعها لخدمة الكل ومسابقتها لمساعدة الجميع ، تأثرها بكل ما يحيط بها من أحزان وأفراح ، قلبها المرهف ويداها المعطاءة جعلها تتوج في سجل الايادي البيضاء والقلوب اللطيفة .

الى ان جاء ذلك اليوم الذي بهتت به الالوان وتساقطت به كل اوراق الشجر ليعلن عن حزن استقر في قلبها ، جرحها العميق دموعها المنهمرة و” عيناها ” الحزينتان ، يوم جاء يحمل خبراً شتت كل بقعة في هذا الكون الفسيح حتى أضحى وكأنه لا شي ، اليوم ” توفيت ” والدتها اليوم يعلن الحداد في قلبها أبد الدهر ، اليوم ولأول مرة تكره اللون الأسود لا لشي الا أنه مسح كل بقعة ضوء في عينيها حتى تلاشت الألوان وحل محلها السواد .

مرض استقر في جسد أمها النحيل فترة طويلة من الزمن ، حتى أنه كاد ينطق من شدة الالم الذي كانت تعانيه ، كانت صابرة ومحتسبة هكذا عهدناها منذ طفولتنا ، لا تظهر الا الشجاعة المبهرة ولا ترضا الا ان تكون ذات قوة ظاهرة واحتمال لا يلين ، مرض رافقها مدة من الزمن حتى فارقت روحها الجسد ولكنها اقتلعت القلوب معها ، ليتها لم ترحل وليتني لم أفارقها لحظة واحدة .

بعدها شديد وتركها قمة المرارة ورحيلها عسير ، أذكر تلك المكالمة البغيضة ” والدتك توفيت اليوم يا ابنتي ” ليتها لم تكن تلك الكلمات وليتها لم تكن هي الراحلة ، ليت لنا من الحيل ما نزيد به الاعمار لتطيل البقاء وتترك الرحيل ، ليتنا لم ندري عن ” الموت ” وليته لم يعرف لنا طريق ولا لمن نحب ، ألم يعتصر القلوب وأجساد فارقتها الحياة حين رحيلها ودموع لا تفتأ الا ان تتجدد في كل وقت تتجدد معه ذكرى رحيلها .

تركت هذه الدنيا وهي زاهدة بها ، وتركت هؤلاء الاولاد وهم في قمة الحزن قلوبهم لم ترتوي حنانها وعيونهم تتطلع علها تعود ولو للحظة واحدة ، ليت للموت ميعاد نعرفه لنطيل البقاء مع من نحب ، وليتنا نعرف وقت الرحيل فنعد له العدة ونعمل على جعله رفيقاً وسهلاً على من نحب ، هي الصابرة المحتسبة وهي التي تردد كلما مالت بها عجلة الحياة ” اللهم اجعلنا من الصابرين الشاكرين ” .

هي أمي روحي التي ضممتها في جسدي ، هي قلبي الذي ينبض باسمها ليل نهار ، هي جرحي الذي لا يشفى ، وهي الالم الذي لا ينتهي منذ رحيلها ومفارقتنا لها ، هي الدموع المنهمرة كلما ذكرت ملامحها ، هي الحب الابدي الذي لا ينضب وهي التي تجود بكل ما تملك بلا تفكير وبلا مقابل وبلا انتظار .

أكتب هذه السطور بعد رحيلك يا أمي وأنا ادعو الباري ان يسكنك فسيح جناته وان يتغمد روحك بالرحمة والغفران وأن يجعلك من خاصته بأعالي الجنان ، أكتبها وأنا التي أتمنى أن يعود الزمن بنا للحظات معك علها تروي عطش الفراق وعلها تداوي جروح القلب وتمسح على أرواحنا بالسكينة والصبر .

أمي الغالية لا سطور تفي حقك ولا كلمات تروي مكانتك ولا حروف تعادل محبتك في القلوب ، أمي الحبيبة أكتب هذه المقالة وأنا اعلن ضعفي في الامساك بالقلم ليكتب بعضاً منك ويسطر القليل عنك ويشير للكثير الذي فعلتيه معنا ، أمي العزيزة نعيش هذه الايام يوم الاسرة وعيد الام متمنين أن تكوني بجنات تجري من تحتها الانهار وان تكوني ممن رضي الله عنهم ورضيت عنه وان يجعلك في الفردوس الاعلى انه مجيب الدعاء.

منيفة العازمي

Exit mobile version