قال ابن خلدون في مقدمته المعروفة: ” إذا رأيت الناس تُكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يُساق للموت وهو مخمور “.
الأدب الساخر قسم من أقسام الكتابة الأدبية والذي يُعتبر أدب فلسفي مؤثر يتناول القضية المحمومة بالضحكة، والتنهيدة العميقة بالنكتة، والشهقة المنكودة بالابتسامة المهمومة؛ فالمعاناة هنا تصبح قصة مثيرة وطُرفة تستحق أن تُروى!
فالأدب الساخر يتناول أهم القضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية بقالب من الكوميديا السوداء التي تطبع بالبساطة والتي تعتبر لسان حال كُلا من المقهور والمهموم في المجتمع الذي غالبا ما يندرج تحت فئة الشريحة المُعدمة والتي لا صوت لها ولا وجود. والمفارقة العجائبية هنا ان الكاتب الساخر عادة ما يكون من هذه الطبقة المكافحة التي تُدون اسباب شقائها وأعراض أزماتها وتنزف حكاياتها على الورق لعل وعسى تصل آلامهم للعالم وتُسمع صرخاتهم المكتومة ولو بابتسامة عريضة على وجوه القُراء على حساب أحزانهم.
وإذا ما بحثت عن أهم الكُتّاب الساخرين وتبحّرت بسيّرهم الذاتية ستجد بأن اغلبهم ينتمون الى عائلات مغمورة ومن طبقات مسحوقة ترعرعوا ببيئات فقيرة.
ومن هذا السياق يقول أشهر الكتّاب الساخرين وموليير الأدب التركي عزيز نيسين: “قاتل الله الفقر الذي يزرع الفقر في عيون بعض الناس بينما الشبع يملأ عيون الموسرين” .
هذا الكاتب الفذ الذي كرّس قلمه في سبيل تصوير الالم بقالب مضحك مبكي على الرغم من معاناته الشديدة وتعرضه للسجن مِرارا في حياته وغير مقالاته التي مُنع بعضُها لوصفها الغزير بهموم الشعب الغرير فلقد تميّز بكتابة مجموعات قصصية تحاكي الواقع وتصف المجتمع بصفاته الحقيقية بعيدا عن التنميق اللغوي والتحذلق الزائف الذي يُضيع القيمة الأدبية في أحايين كثيرة خاصة إذا ما كانت تلك الحكايات والقصص الأدبية مقتبسة عن قصص واقعية.
وهنا ايضا في عالمنا العربي هناك كُتّاب كُثر سَخِروا من الواقع والحياة ودونوا أزمات المجتمع العربي ونكساته وإحباطات الشباب العربي وخيباته في مقالاتهم ومؤلفاتهم فنرى محمد الماغوط الأديب والساخر السوري الذي دوّن بأشهر كتبه (سأخون وطني) قضايا الشعب العربي، الذي ما ان قرأته ستجد ان اغلب هذه المواضيع التي تناولها كتابه هي مشاكل معاصرة، مشاكل اجتماعية وسياسية وحتى اقتصادية كانت من غابر الأيام منتشرة وللأسف ما زالت تعبث بأوطاننا ومصائرنا وتُشكل أقدارنا.
لقد عانى الماغوط بسبب كتاباته الساخرة وتهكماته اللاذعة التي كانت وسيلته الوحيدة لحمل قضايا مجتمعه وإيمانا منه بدوره المهم في علاج بعضها عبر تسليط الضوء عليها وإبرازها. ولذلك فقد قال “هذا القلم سيقودني إلى حتفي، لم يترك سجناً إلا وقادني إليه ولا رصيفاً إلا ومرّغني عليه.”
قائمة الكُتّاب تطول ومازلنا إلى اليوم نعالج مشاكلنا بسخريتنا اللاذعة وتراجيديا الحوادث التي نعيش فيها بكوميديا مطلية بمشاعرنا السوداء.
الكتابة لطالما كانت سببا في معالجة قضايا المجتمع ولكن السخرية هي كتابة من نوع آخر هي الرقص فوق مشاكلنا الميؤوس منها ومحاولة منا لتناسيها بالضحكة والدمعة الحرّى.